من بين 5000لغة يتحدثها البشر يحتكر الهنود الحمر في أمريكا الشمالية 1200لغة.. أما في وطننا العربي فيتميز لبنان بوجود عدة لغات نادرة - بجانب العربية - كاللغة الآرامية التي كان يتحدث بها السيد المسيح ولم تبق غير قرية واحدة تتحدثها!!
في الهند - حيث كل شيء كثير - يتحدث الناس بأكثر من ثمانمائة لغة رئيسية وآلاف اللهجات المحلية.. والأغرب من هذا ما يحدث في غينيا الجديدة حيث نسبة السكان لا تتجاوز واحداً على 100ألف من سكان الهند ومع ذلك توجد أكثر من سبعمائة لغة مختلفة.
ولكن هذه التخمة اللغوية لا تعني بالضرورة كثرة المتحدثين بها.. بل على العكس كلما زاد عدد اللغات في (منطقة محصورة) دل ذلك على قلة مستعمليها وقربها من الانقراض؛ فكثير من اللغات المستخدمة في غينيا الجديدة - ولدى القبائل الهندية في أمريكا وأدغال الأمازون - لم يبق من المتحدثين بها غير شخص أو اثنين!
الجانب الطريف في الموضوع أن ندرة بعض اللغات وقلة عدد المتحدثين بها جعلها تستعمل كشفرات خاصة.. فقد قرأت أحد الضباط المصريين أن الجيش المصري استعان في حرب 67بإحدى اللهجات النوبية النادرة لتوجيه بعض الأوامر العسكرية. فقد ساد اعتقاد أن المخابرات الإسرائيلية استطاعت فك شفرة الاتصالات العسكرية للجيش المصري؛ وعليه تمت الاستعانة بأفراد من أهل النوبة يتحدثون بلهجة نادرة - يستحيل وجود من يتحدث بها في إسرائيل - لإبلاغ أوامر الجيش المختلفة!!
.. وإن صدقت هذه الرواية فلن تكون الأولى من نوعها؛ ففي الحرب العالمية الأولى أدرك الأمريكان أن شفرتهم تفك دائماً من قبل الألمان فقرروا الاستعانة بإحدى اللغات النادرة التي يستعملها الهنود الحمر في أمريكا. وبعد تمحيص وغربلة اختيرت لغة اعتبرت الأكثر ندرة لقبيلة صغيرة (انقرضت حالياً) تدعى الشوكاتو. وهكذا تم توزيع ثمانية من هنود الشوكاتو على فرق الجبهة الغربية - وهو ما وضع خبراء الشفرة الألمان في مأزق حقيقي أمام هتلر.
وفي الحرب العالمية الثانية كرر الأمريكان نفس الخدعة ولكنهم هذه المرة اكتشفوا لغة أكثر ندرة تدعى النافاجو لا يتحدث بها سوى تسعة وعشرين هندياً تم توزيع ثمانية منهم على الجبهات الرئيسية وحجز من تبقى منهم حتى نهاية الحرب.. غير أن الأمريكان شربوا من نفس الكأس (بين عامي 1965و1973م) حين لجأت قوات فيتنام الشمالية إلى التبديل العشوائي بين لغات فيتنام المختلفة مما أوقع مراكز التنصت الأمريكية في "حيص بيص"!!
أما في أوقات السلم فقد تنشأ في نفس المجتمع لغة خاصة "بأهل السوق" تناسب اهتماماتهم ومشاكلهم ولا يفهمها غيرهم. كما قد يظهر هذا الوضع بين جماعة أو عرق أو طائفة تعيش في مجتمع كبير ويتم على أيديهم إدخال كلمات جديدة أو تحوير مفردات موجودة!!
وكان سكان الكاريبي الأصليون يستعملون ثلاث لغات محورة من غير المقبول اجتماعياً الإلمام بها جميعاً.. فهناك مثلاً لغة خاصة بالنساء من العيب أن يتحدث بها الرجل. وهناك لغة خاصة بالرجال يتحدثون بها فيما بينهم أو في الاجتماعات التي تخص القبيلة، أما اللغة الثالثة فهي الأكثر انتشاراً ويتحدث بها الجميع!!
وما يفعله أهل الكاريبي يذكرني ببعض اللهجات المحورة التي كانت تنتشر بين بعض الأسر في المدينة المنورة. وهي تعتمد أساساً على عكس الحروف أو تحويرها أو شبكها ببعضها بحيث لا يفهمها غيرهم.. فقد تعكس أحرف السيارة مثلاً فتنطق (هرايس) وكلمة تقسيط فتصبح (طيسقت). أما حين تحشر بعض الأحرف عشوائياً فتتحول السيارة إلى (سيار قارة) والتقسيط إلى (تقسيرقيط) والسوق إلى (سورقوق).. أنا شخصياً كثيراً ما سمعت أباءً يطلبون من أبنائهم تجهيز "عشاء الضيف" في حين يجلس الأخير كالأطرش في الزفة!
موضوع: اللغات في العالم 
الخميس فبراير 26, 2009 1:14 pm
